بسـم الله الرحمن الرحيم
هذا الانسان عجيب يجمع بين متناقضات ،فاذا امعنت النظر في بعض جوانبه وجدته اقوى من كل ما خلق الله تعالى في الحياة ، حتى انه استطاع ان يطير في الجو وان يغوص في البحر وان يخضع لسلطانه قوى الارض ..
واذا امعنت النظر في بعض جوانبه الاخى وجدته ضعيفا عاجزا ،تؤذيه الذبابه الشاردة ، وتقتله النسمه الباردة وتوردة الردى خاطرة هم ووسوسه سوء ، والانسان العاقل هو الذي لا ينسى جوانب الضعف والعجز فيه ،فمن علائم الخير في كل امة ان تنجو من مرضين خطيرين ، مرض الغرور ومرض الاحتقار ،
اما الغرور فهو ان ترى افرادها يحتقرون كل من سواهم ويتطاولون الى ما ليس في قدرتهم حتى ليرتفع احدهم عن الاصغاء الى النصيحه والاستماع لراي ،والخضوع لكبير او الاجلال لعالم ، وحين تبتلى الامه بمثل هذا المرض تستعصي على نصح الناصحين ، وتنحدر وهي تظن انها في اعلى عليين ، وتتراكم عليها المصائب وهي تظن انها في اتم صحة ،تتالب عليها الدنيا وهي تظن انها اقوى من اعدائها ،تهزمهم بصرخه ، وتردهم باشارة وتدفعهم عنها بالضجه والثرثرة ،،
اما المرض الثاني فهو مرض احتقار النفس .. وما اقساه من مرض على الامه ..اذ يشل فيها الوعي والحياة والحركة ويجعلها ذليله امام كل جبار ،ضعيفه امام كل قوي فكم من امتنا من قضى عليهم الجمول والكسل والعزله ،، ولو سالتهم عن ذلك لاجابوك:من نحن ؟ وما قيمتنا؟ وما شاننا في الحياه؟وهل نستطيع ام نوقف الشمس او نؤخر عجله الزمان ؟ كلا .. المسلم شيء عظيم يستطيع ان يفعل اشياء واشياء ،ولكن مثل هؤلاء في مجتمعنا كثيرون ، واعجب من ذلك ان هاؤلاء المصابين بمرض الخمول والاحتقار / من مصاب بداء الغرور فهو يقدر نفسه في امته تقدير المغرور المتبجح ، ولكنه يضع نفسه امام الاعداء موضع الحقير الذي ليس من حقه ان يرفع راسا او يطلب كرامه او يناشد حريه ،
وما اجمل ادب الاسلام وتعليمه حين نهاناعن هذين المرضين ،، فهو يبعدنا عن الغرور بتذكيرنا دائما بقدرة الله فوق قدرتنا ، قال تعالى ( وما بكم من نعمة فمن الله)،،،
كيف نتفادى الغرور ؟
بعد التفكير والتأمّل ، يمكن أن نبحث عن طرق علاج أخرى لظاهرة الغرور والتكبّر بين الشبان والفتيات :
1 ـ استذكار سيرة العظماء المتواضعين .. كيف كانوا على الرغم من سعة علمهم وعظمة أعمالهم وجلالة قدرهم وخدماتهم للانسانية ، إلاّ أ نّهم كانوا لا يعيشون حالة الورم في شخصياتهم ، بل تراهم كلّما ازدادوا علماً تواضعوا لله وللناس أكثر .. هكذا هم الأنبياء .. وهكذا هم العلماء .. وهكذا هم سادات أقوامهم ، ولم يكن تواضعهم الجمّ ليقلّلهم أو يصغّرهم في أعين الناس ، أو ينتقص من مكانتهم . بل بالعكس كان يزيد في حبّ الناس واحترامهم لهم ، وتقديرهم والثناء على تواضعهم .
2 ـ استعراض الآيات والنصوص والحكم والمواعظ والقصص الذامّة للغرور والمغرورين . فنصيحة لقمان لابنه في التواضع ، هي لكلّ الشبان والفتيات وليست لابن لقمان وحده : (ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً )(11) وتواضع نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رغم أ نّه أشرف الخلق وسيِّد الأنبياء ، مدرسة نتعلّم فيها كيف نكون من المتواضعين .والله تعالى يقول للمغرور ، اعرف حدودك وقف عندها ، فإنّك لن تتجاوز قدرك مهما فعلت (لا تمشِ في الأرض مرحاً فإنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )(12) وتذكّر العاقبة : (أليس في جهنّم مثوى للمتكبّرين )(13) .
3 ـ حاول أن تكسب مودّة الناس من خلال التواضع لهم ، ولين الجانب وخفض الجناح واشعارهم بمكانتهم وتقديرك واحترامك لهم وعدم التعالي عليهم لأيّ سبب كان .. أشعرهم أ نّك مثلهم ، وأ نّهم أفضل منك في عدّة نواحي .. اجلس حيث يجلسون ، فرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أعظم الناس كان إذا جلس إلى أصحابه لم يميِّزه الداخل إلى المسجد .. كان كأحدهم .. أُنظر إلى ما يحسنون لا إلى ما يسيئون واعرف قيمهم من خلال ذلك «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» .. تنافس معهم في الخيرات فهو مضمار السباق وميدان العمل ، واطلب رضا الله .. وعاملهم بما تحبّ أن يعاملوك به .. وكن أفضلهم في تقواك وعلمك وعملك .
4 ـ تذكّر ـ كلّما داهمتك حالة من الغرور ـ أنّ الغرور والتكبّر خلق شيطاني بغيض ، فإبليس أوّل مَنْ عاش الغرور والتكبّر في رفضه السجود لآدم حيث ميّز وفاضل بين (النار) التي خُلق منها و (الطين) الذي خُلق منه آدم ، ونسي أنّ الخالق للاثنين معاً هو الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي يشرّف ويكرّم ويفاضل .
5 ـ التجئ إلى (عبادة) الله كلّما أصابك (مرض) الغرور .. خاطبه بصدق ومحبّة وشعور قوي بالحاجة : «إلهي ! كلّما رفعتني في أعين الناس درجة إلاّ حططتني مثلها في نفسي درجة» حتى أتوازن ولا يختلّ تقويمي لنفسي .
6 ـ وإذا أثنى الناس على عمل قمتَ به ، أو خصلة تمتاز بها ، فعوضاً عن أن يداخلك الزهو ويركبك الغرور والتكبّر ، قل : «أللّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، واجعلني خيراً مما يظنون»